/ الفَائِدَةُ : (25) /
18/07/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / انطلاق كمال الإِنسان من عقله / إِنَّ ما ورد في بيانات الوحي ، منها : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « قال : هَبَطَ جبرائيلُ على آدم عليه السلام فقال : يا آدم ، إِنِّي أُمرتُ أَن أُخبِّرَك واحدةً من ثلاثٍ فاخترها ودع اثنتين ، فقال له آدم : يا جبرائيل ، وما الثلاث ؟ فقال : الْعَقْل والحياء والدِّين ، فقال آدم : إِنِّي قد اخترتُ الْعَقْل ، فقال جبرئيل للحياء والدِّين : انْصَرِفا ودَعَاهُ ، فقالا : يا جبرائيل ، إِنَّا أُمرنا أن نكونَ مع الْعَقْلِ حيثُ كان ، قال : فشأنكُمَا وعرج » (1). براهينٌ وحيانيَّةٌ دالَّةٌ على أَنَّ مصادر المعرفة لكمال الإِنسان ثلاثة : الْعَقْل ، والحياء ، والدّين . والمبدأ لكمال الإِنسان يجب أَن ينطلق من عَقْلِه ، وهو أَوَّل قوَّة توجد في ذات الإِنسان ، ومن ثَمَّ تجد الطفل في أَوَّل لحظات حياته في هذه النشأة : يُدرك ثدي أُمه ليرتضع منه ، ولو أُبعد عنه قاوم وأَصَّر على الالتقام ، ومعناه : أَنَّه يُدرك الوجود من عدمه ، ولازمه أَنَّه أَدرك الوجود الأَزلي ( تَقَدَّسَ ذِكْرُهُ) ومطلق الحقيقة ؛ لأَنَّه لا يمكن لمخلوق ما إِدراك حقيقة ووجود ـ وإِن كان جزئيّاً ـ إِلَّا وقد أَدرك في رتبة مُتقدِّمة أَصل مطلق الحقيقة والوجود الأَزلي (جَلَّ وَتَقَدَّسَ) ، وإلَّا لَمَـا أَمكنه أَن يذعن لإِدراك الوجود الجزئي ، وهذا ما قُرِّر في الأَبحاث الْعَقَلِيَّة (مبحث عِلْمُ الإِدراك) . وهذا ما تُشير إِلَيْه بيانات الوحي الْمَعْرِفِيَّة ، منها : 1 ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « ... كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ ، فما يزال عليها حتى يعرب عنها لسانه ، فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه »(2) . 2 ـ بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه »(3). فمعنى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : (يولَدُ على الفطرةِ) : أَنّ العقل النَّظري موجود مع أَوَّل لحظات وجود الإِنسان في هذه النشأة ، فإِذا شبَّ الإِنسان وصار صبياً ميَّز بين محاسن الأَفعال وقبائِحها ، ويُعبَّر عن هذه الحالة : أَنَّه أَدرك كشف العورة ؛ لأَنَّ إِدراكه يبدأ من أَبسط القبائح أَو أقبحها ، وهذه علامة تنشيط وتفعيل العقل العملي لديه ، ثُمَّ في سن المراهقة تبدأ الأَمواج والاضطرابات الرُّوحيَّة لديه في جانب القلب والوجدان تَتَفَعَّلُ وتعمل . ومن ثَمَّ يُلاحظ : أَنَّ الجانب التَّربوي والعاطفة والإِحسان والتَّعامل بالأَخلاق الحسنة والعشرة الطيبة وبما ندبت إليه بيانات الوحي مؤثِّر جِدّاً في سن المراهقة. نعم ، في سن البلوغ والرشد ـ إِذا أراد التكامل ـ لابُدَّ له أَن يهتدي بأنوار الوحي . ومعناه : أَنَّ الوحي أَعلى رتبة ومستوى وجودي من العقل النظري والعملي ، لكنَّ الوصول إليه يستلزم طي مُقدِّمات سابقة . وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أُصول الكافي ، 1/ كتاب العقل والجهل/11 / ح2. (2)كنز العمال : 11730 . (3)صحيح البخاري /ح 1385